قصص اجتماعيه

|

قصه لم يمضي العمر بعد

لم يمضي العمر بعد 
أمام نافذة مطلة على حديقة مهملة ، 
تقف امرأة قاربت الأربعين ، 
تملك جسدًا نحيفًا لا يتناسب أبدًا ، 
وسبع سنوات زواج وولادة طفلة ،
 ربما لأنها لم تأكل يومًا لقمة واحدة مرغمة ،
 لتجامل بها سيدات العائلة

انتظار وتغيير العالم :
تنظر بعينين ناعستين قلقتين ، 
على ما مضى من عمر ، 
تهتز ستائر النافذة من نفحة هواء وكأنها قادمة من الماضي ، 
بينما لم يعبأ شعرها الذي رفعته دومًا ، 
ولم تسدله يومًا ليظل أكثر راحة لها ، 
هي لا تهتم لرأي أحد ، 
فما الذي ستكسبه إن أسدلت شعرها ليعجب الناس ، 
بينما تتذمر هي كل مرة تفعل ذلك ، 
تتأوه بتنهيدة تنطقها شفتاها ، 
التي تتركها عادة بلونها الطبيعي ، 
فماذا سيتغير بالعالم إن لونت هي شفتيها

هكذا كانت هي :
لم ترتدي هذا الكعب السخيف يومًا ،
 حتى في يوم زفافها اختارت حذاء ، 
مريحًا لها رغم أن عريسها كان يفوقها طولاً بعشرين سنتيمتر ، 
لم تستمع لكلمات من حولها وكيف أنها ستبدو قصيرة للغاية ، 
وستبدو مضحكة أيضا ! هكذا كانت هي ، 
تفعل ضد كل ما هو حاصل أو بمعنى أدق ، 
كانت تفعل كل ما لا يريده حولها ، 
تتمرد هي دائًما حتى عندما خاضت 
معركتها ضد أهلها طلبًا للطلاق لم تستلم 
لنصائحهم البالية والتي عفا عليها الزمن ، 
لم ترض برجل هو بالنسبة لها مجرد زوج ، 
وأب لابنتها لا أكثر

عريس صالونات :
لم تكن له يومًا مشاعر الحبيب ، 
فهو نهاية الأمر عريس صالونات ، 
لم تعرف عيوبه فاختارت أن تقبلها بل أرغمت على تقبلها مع مرور الأيام ، 
كانت نهاية هذه العلاقة حينما تجرأ ليبرحها ضربا أمام أهله ، 
ليثبت رجولته الزائفة أمامهم 
!أهل الزوج والانفصال :
أهل زوجها الذين طالما لم يستسيغونها ولو لمرة ، 
فهي بحكم طبعها لم تتودد لهم ، 
بالشكل الذي يرونه لائقا بأسرة أهدتها رجلا كهذا وبكل سهولة ، 
رجلا كانت تتهافت عليه الفتيات من هنا وهناك ، 
لوضعه الاجتماعي والمادي ، 
تنازلت حتى عن حقوقها لم تأخذ منه شيئا يذكر ، 
مقابل الاحتفاظ بابنتها الوحيدة ، 
هي الآن تتمنى عالما بلابشر ، 
فهي لم تعد تتحمل عاداتهم المزعجة ، 
وأحاديثهم المكررة ومبرراتهم التي بلا معنى

قصائد وموهبة حقيقية :
سمعت صوت الهاتف أغلقت النافذه ، 
وذهبت ترد لتجد صديقا مقربا لها ،
 يحادثها يطمئن على أحوالها التي باتت لاتهم أحدًا غير أسرتها الصغيرة، 
نصحها بأن تحاول الخروج من هذه العزلة والانطوائية المميتة !.. 
لا لأجل شيء بل لأجلها هي ، 
ثم اقترح عليها في نهاية المكالمة ، 
أن تفكر جديًا في نشر قصائدها التي يعتبرها أكثر من رائعة ، 
وأن سوق الكتاب اليوم يعج بما يقرأ ولا يقرأ ، 
وهي تمتلك الموهبة الحقيقية ، 
ولم ينس لها أبدًا قصيدتها التي طلب هو منها أن تكتبها بيديها ، 
لحبيبته لفشله الدائم في التعبير عن مشاعره ، 
ولن ينسى لها أبدًا أيضا أنها 
صارت الآن زوجته

الاقتراح البعيد الغريب :
ارتسمت على شفتيها ابتسامة من القلب : 
لكنها طيبة وتحبك كثيرًا ، 
قال لها وبكل حماسة : 
صدقيني قصائدك ستعجب الناس كثيرًا ، 
وستحقق نجاحا بإذن الله ، 
ردت في استنكار : 
منذ متى أنا أكترث لآراء الناس يا صديقي!..
أغلقت الهاتف لتفكر جديًا
 في اقتراحه البعيد وبالنسبة لها غريبًا

بعد مرور عدة أشهر :
بعد مرور عدة أشهر .. 
جلست على أريكتها معتدلة لتقرأ أول ديوان لها ،
 ثم قامت منتفضة من جلستها حين رن الهاتف ، 
وظهر رقم الناشر لترد عليه في قلق وخوف لم تشعر بهما من قبل ، 
أخبرها في حماسة غير معتادة منه ،
 أن إقبال القراء على كتابها مبهر غير الآراء المطمئنة ،
 والمبشرة التي أتته من هنا وهناك ، 
وأخبرها أن تم الاتفاق على أمسية شعرية ،
 ستحييها الأسبوع القادم ،
 ولابد أن تستعد لها جيدًا فسيحضرها عددًا لا بأس به ، 
في نهاية المكالمة ،
قال لها : 
أتمنى أن يحبك الناس 
تمامًا مثلما أحبوا قصائدك

أمواج البحر حين تهدأ :
أغلقت الهاتف لتحتضن كتابها وتقفز به حتى
 كادت رأسها تلامس سقف الغرفة ، 
فتهدأ رويدا رويدا وتكرر وهي غارقة في التفكير .. 
الناس ! 
الناس ! 
الناس ! .. 
بعد مرور أسبوع ، 
وطأ أرض القاعة كعب امرأة ،
 بالكاد تمشي ومن فوق الكعب فستان أزرق ، 
يذكرك لوهلة بأمواج البحر حين تهدأ، يتوسطه 
حزام عريض يظهر رشاقة مبالغ فيها ،
 وشفتان يكسوهما الحمرة ، 
وشعر مسدل على كتفيها أخفى نصف وجهها تقريبًا ، 
تقدمت لتقف أمام كل هذا العدد تلقي قصائدها ، التي ما إن تنتهي من واحدة حتى تقابل بالتصفيق الحاد ، وهي تبتسم وكأنها لم ترحزنًا من قبل

الندم :
اعتدلت في وقفتها تنظر لهم ثوان وتخبرهم : 
الناس يبنون جدرانا بدلا من أن يبنوا جسورًا ، 
لهذا فهم يزدادون وحدة تباعدًا بدلاً من أن يزدادوا اقترابًا .. 
هكذا يقول الكاتب الكبير عبدالوهاب مطاوع ، 
ثم أردفت : 
ندمت على أنني لم أرتد يومًا كعبا يخفي قصر قامتي ، 
ولم أسدل شعري الذي يعطي امتلاءً ملحوظًا لوجهي النحيف ، 
ولم أضع هذا اللون الأحمر الفاقع على شفتي يومًا ، 
مع أنه يناسب جدًا بشرتي البيضاء ،
 وكيف أنني كنت أمقت كل البشر بلا استثناء ،
 رغم أن هؤلاء البشر اليوم يمنحونني سعادتي بدون مقابل ؟
لأنني خلقت حرة :
وحدهم من حولك يمنحوك سعادتك لاشيء آخر ، 
وقد يمنحوك بؤسًا لا حصر له ، 
في النهاية بهم تكون الحياة وبدونهم لا حياة ، 
لكنني لم أندم أبدا حين لم أنافق أحدًا ، 
فالمرء يخسر إنسانيته شيئا فشيئا حين يكذب ، 
ولم أندم حين لم أرض بعبودية مخلوق مثلي ، 
لأنني خلقت حرة

رد واحد على “قصص اجتماعيه”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *