أرشفة المواقع: ذاكرة الإنترنت وحارس المحتوى الرقمي

تحرير / فريق دليل المواقع العراقية

في زمن تتسارع فيه وتيرة النشر الرقمي وتتغير المواقع الإلكترونية بوتيرة لا تهدأ، برزت أرشفة المواقع كأداة أساسية لحفظ التاريخ الرقمي وضمان استمرارية المعلومة.

فالموقع الذي يُحدث اليوم قد يختفي غدًا، ولكن الأرشفة تجعل أثره باقياً وشاهداً على ما كان.

إنها ليست مجرد عملية تقنية، بل مشروع ثقافي ومعرفي لحماية ذاكرة الإنترنت.

أولًا: مفهوم الأرشفة الإلكترونية للمواقع

تعني أرشفة المواقع الإلكترونية حفظ نسخ من صفحات الإنترنت في تواريخ محددة، بحيث يمكن الرجوع إليها لاحقاً حتى بعد حذفها أو تعديلها.

وتشمل الأرشفة حفظ النصوص، الصور، الروابط، الملفات، وحتى البرمجيات التي تشكل الموقع.

وتُستخدم لهذا الغرض تقنيات مثل Web Crawlers أو برامج “العناكب” التي تجوب الشبكة لالتقاط محتوى الصفحات وحفظه في قواعد بيانات ضخمة.

ثانيًا: أهداف الأرشفة

1. حفظ الذاكرة الرقمية: فالمواقع الإخبارية والمؤسساتية تتغير باستمرار، والأرشفة تحفظ سجلّها عبر الزمن.

2. التوثيق القانوني والإداري: تعدّ الأرشفة دليلاً قانونيًا عند الحاجة لإثبات معلومة أو موقف منشور سابقًا.

3. خدمة الباحثين والمؤرخين: توفر مادة غنية للدراسات الأكاديمية، خصوصًا في مجالات الإعلام والسياسة والتاريخ.

4. مكافحة التضليل الرقمي: إذ يمكن من خلالها كشف التعديلات أو حذف المحتوى الموجه.

5. الحفاظ على هوية المؤسسات: خصوصًا في الجهات الحكومية والإعلامية التي ترغب في حفظ سجلها الإلكتروني بشكل مؤسسي منظم.

ثالثًا: آليات وتقنيات الأرشفة

• الأرشفة الآلية (Automatic Archiving):
  تتم عبر برمجيات متخصصة تقوم بأرشفة الموقع بشكل دوري مثل خدمة Wayback Machine التابعة لـ”Internet Archive”.

• الأرشفة الداخلية (Institutional Archiving):
  وتعتمدها المؤسسات لتخزين نسخ احتياطية من مواقعها الرسمية وأخبارها ضمن خوادم محلية.

• الأرشفة الانتقائية (Selective Archiving):
  تُستخدم عند الحاجة لحفظ صفحات أو أقسام محددة فقط (مثل الأخبار أو البيانات الصحفية).

• استخدام بروتوكولات مثل WARC:
  وهو معيار عالمي لتخزين المواقع المؤرشفة بشكل موحد وسهل الاسترجاع.

رابعًا: أرشفة المواقع في المؤسسات الحكومية والإعلامية

في المؤسسات العامة والإعلامية، أصبحت الأرشفة ضرورة وليست خيارًا.

فمثلًا، دردشة عراقية أو أي جهة مشابهة تُنتج يوميًا مسابقات، بيانات، وسهرات منوعة، ومن المهم أرشفتها للأسباب التالية:

• حفظ تاريخ الدردشة وإنجازاتها.

• ضمان توثيق نشاطات الاعضاء .

• تسهيل الرجوع للمعلومات عند إعداد التقارير أو الدراسات المستقبلية.

• توفير مصدر موثوق للإعلام والباحثين حول نشاط دردشة العراق.

ويمكن تحقيق ذلك عبر نظام إدارة محتوى يحتوي على وحدة أرشفة إلكترونية تقوم بحفظ نسخة من كل منشور بعد نشره مباشرة في قاعدة بيانات مؤمنة.

خامسًا: التحديات التي تواجه الأرشفة

1. ضخامة البيانات: فالمواقع الإخبارية تنشر آلاف الصفحات سنويًا.

2. الروابط الميتة (Broken Links): حيث تختفي بعض الملفات أو الصفحات مما يصعب استعادتها.

3. حقوق النشر والملكية الفكرية: بعض المحتويات لا يمكن أرشفتها قانونيًا دون إذن.

4. تغير التقنيات: التحديثات في لغات البرمجة قد تجعل بعض المواد القديمة غير قابلة للعرض بسهولة.

5. تأمين الأرشيف: يجب حمايته من الاختراق أو التلاعب لأنه يمثل ذاكرة رقمية حساسة.

سادسًا: أدوات ومنصات الأرشفة الشهيرة

• Internet Archive – Wayback Machine: أكبر مشروع عالمي مجاني لأرشفة الإنترنت.

• Archive-It: أداة مدفوعة تسمح للمؤسسات بإنشاء أرشيف خاص بها.

• Webrecorder: تتيح للمستخدم أرشفة تفاعلية تشمل الصوت والفيديو.

• Perma.cc: تُستخدم من قبل الجامعات والمحاكم لحفظ الروابط القانونية.

سابعًا: الأرشفة كقيمة حضارية

الأرشفة ليست مجرد عملية تقنية، بل هي فعل حضاري يحافظ على الذاكرة الإنسانية.
تمامًا كما تحفظ المكتبات الكتب والمخطوطات، تحفظ الأرشفة الإلكترونية الفكر الرقمي للأمم.

فالدول التي تستثمر في حفظ مواقعها الرسمية وتاريخها الإلكتروني، إنما تؤسس لأرشيف وطني رقمي يمكن الرجوع إليه بعد عقود، ليكون شاهداً على مرحلة من تطورها السياسي والاجتماعي والثقافي.

خاتمة

إن أرشفة المواقع ليست رفاهية رقمية بل واجب وطني ومهني.

ففي عصر المعلومات المتدفقة، تصبح القدرة على الاحتفاظ بالماضي الرقمي شرطًا لفهم الحاضر والتخطيط للمستقبل.

وإذا كانت الذاكرة البشرية عرضة للنسيان، فإن الأرشفة الإلكترونية هي ذاكرة لا تنسى.